samedi 19 octobre 2013

الروائي الأفغاني خالد حسيني تدوين سيرذاتي بتقانات الرواية


بسبب الحروب التي عاشتها افغانستان تراكمت ظلال ثقيلة فوق الادب الافغاني المعاصر فانقطعت أخباره عن العالم الخارجي وبات في عزلة شبه تامة منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما اجتاح جيش الاتحاد السوفياتي السابق الأراضي الافغانية عام 1980 لمساندة النظام الشيوعي الحاكم بزعامة الرئيس بابراك كارمال حال شعوره بخطر السقوط بأيدي الجماعات الاسلامية المسلحة التي كانت تتلقى الدعم المادي والعسكري من الدول الغربية ومن بعض دول الخليج العربي وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية . سنوات الحرب الطويلة المهلكة بكل ضراوتها وبشاعتها وتقلباتها الدراماتيكية وما نتج عنها من دمار شامل عصف بكل جوانب الحياة، لم تترك أّيّة فرصة سانحة لمن يهتم بالشأن الثقافي، ألتفكير بقراءة عمل أدبي أفغاني جديد، خاصة بعد سيادة وهيمنة الاحزاب الاسلامية بكل تنوعاتها واختلافاتها التي لاتتعدى حدود التسميات والعناوين الشكلية، والتي تعكس في واقع الحال طبيعة انتماءاتها القبلية والاثنية والطائفية، لكنها في مقابل ذلك ومن حيث الجوهر، تنطلق من أرضية فكرية واحدة أساسها القرآن والسنة المحمدية كما تدّعي وتسوّق في خطاباتها.عداء الطائرة الورقيةوسط زمن مُرِّ كهذا، مُلبَّد ٍ بدخّان الحروب، وسلطة أحزاب اسلامية متشددة ومتطرفة في تأويلاتها الفقهية والإجرائية غالبا ًما تأتي وفق هوى ورعونة زعمائها من أمراء الحرب، لايمكن أن يتوقع المرء نموَّ أدب ينصف حرية وكرامة الانسان وتتوفر فيه رؤى فنية متقدمة. لكن، عندما تقرأ رواية عدّاء الطائرة الورقية للكاتب الافغاني خالد حسيني التي صدرت بطبعت اولى مترجمة الى اللغة العربية عام 2010 وروايته الثانية ألف شمس مشرقة التي صدرت هي الاخرى بطبعة اولى مترجمة الى اللغة العربية عام 2010 ايضا، لابد أن تكون أمام خيار وحيد يدعوك لأن تعيد النظر فيما تشكّل لديك من قناعات غير دقيقة حول الادب الافغاني الذي حَجَبَتْه عنّا لعلعة الرصاص وصورالمعارك الدموية التي إستمرت أكثر من ثلاثة عقود، شاءت فيها قوى دولية كبرى ـ في المقدمة منها أميركا ــ أن يستمرَّ الصراع الدموي بين الاخوة على هذه الصورة البشعة، تعبيراً وتحقيقا ًلمصالحها، حتى لوكان الثمن أن يُدفَنَ شعب كامل تحت الانقاض. وماأن تتوفرفرصة قراءة هذين العملين لابد لك من أن تبدأ في البحث عن صوت الانسان الضائع بين ضجيج الاصوات النَّشاز، تبحث عنه في الاعمال الفنية والادبية التي حاول المُبدعون فيها أن يجسِّدوا صرخته خارجة نقيّة مبحوحة من تحت أنقاض ِ ماتهدم من أحلام ٍوبيوت ٍوشوارع َومدارسَ وجامعات ٍومتاحف َوآثار يعود تاريخها الى ألاف السنين قبل الميلاد مثل تماثيل بوذا في مدينة باميان التي هدمتها حركة طالبان بعد أن استولت على الحكم عام 1997.متجاهلة كل النداءات التي كانت قد اطلقتها حكومات ومنظمات ومؤسسات دولية بعدم نسفها والحفاظ عليها لانها تشكل جزءا مهما من التراث الحضاري الانساني. أعمال كبيرةفي حقبة مظلمة شديدة العتمة مثل التي عاشتها افغانستان طيلة ثلاثة عقود كيف يمكن للأدب أن ينمو ويزدهر طالما هو نشاط انساني يتحرك في فضاء الحرية الفكرية يكشف المبدع من خلاله عن المخبوء والمقموع في ذات الانسان، وهو يعمل ويفكر ويكافح من اجل غد أكثر آمانا ً وسعادة؟ روايتا عدّاء الطائرة الورقية والف شمس مشرقة لخالد حسيني لاتخرجان عن إطار الاعمال الكبيرة الخالدة التي تبقى حاضرة ومؤثرة في الذاكرة الانسانية رغم تقادم الزمن عليها ذلك لانها تنصف الانسان وكرامته وهو يخوض بكل ضعفه وارادته وفطرته الانسانية صراعا مريرا ًغير متكافىء ضد قوى همجية عمياءلاتتردد أبدا ً في أن تقود البلاد والعباد الى مصير بائس لايليق بأدميّة الانسان وامنياته البسيطة في العيش بحرية وآمان.ولكي لاتصل الحكاية الافغانية الى طريق مسدود كما أرادها ويريدها أبدا ً أُمراء الحرب، تأتي رواية الف شمس مشرقة وقبلها عدَّاء الطائرة الورقية لتحديد وتقييم العلاقة مع الماضي قبل استعادته والذهاب به الى أبعد مايكون في اللحظة الموضوعانية للذاكرة حسب قول بول ريكور. فالاستعادة هنا للماضي ليس بهدف الاستذكار السلبي انفعال انما هو تفكر واسترجاع في مفترقات دلالية وتداولية . لم يختزل خالد حسيني الذاكرة في حدود الاستعادة للوقائع والاشياء الخارجية ولم يذهب بالخيال خارج المعرفة، أي بمعنى لم يتم الفصل بينهما، بل تشابكا معا ً في تمثِّل الميراث والتَّصوّر لشيء غائب ومُغيَّب.وفي إطار الاحداث التي تمفَصَل بها الفضاء السردي للروايتين إشتغل المؤلف على تقانة الذاكرة، في مواجهة حاضر ٍ يتأسطر بالموت والخراب ويغيّب الحياة عن قصد وتصميم. في رواية الف شمس مشرقة كانت الثنائيات مرتكزا ً سرديا إنسحب على أزمنة البناء المعماري للنص الحب » الكره، الموت » الحياة، الوطن » المنفى، المرأة » الرجل، الشباب » الشيخوخة ..ولعل ما يميزها ويكسبها هذا الحضور المؤثر أنّ معظم شخصياتها الرئيسة هي شخصيات نسائية مريم، ليلى، نانا، جيتي، حسينة، مامي، عزيزة رغم أهميّة وعمق الشخصيات الرجالية التي صاغها المؤلف وشكّل بها تفاصيل ملحمته الفنية جليل، طارق، رشيد، فايز الله .بينما هيمنَت الشخصيات الرجالية بشكل كامل على رواية عدّاء الطائرة الورقية أمير، حسان، بابا، علي، آصف، كمال، جنرال تاهيري وتراجعت الشخصيات النسائية الى خلفية الصورة.ألف شمس مشرقةمن يقرأ روايتي خالد حسيني سيجد أن الكاتب قد شحنهما بعواطف ومشاعر انسانية لاتجدها إلاّ في الاعمال العظيمة التي تنداح فيها خليط من المشاعر الانسانية الحب، البطولة، الخيانة، الحقد في بيئة مغرقة بالمحلية وبتفاصيل دقيقة، وكأنما ذاكرة المؤلف »السارد » الشخصية الرئيسة تعمل بكل استدعاءاتها من اجل الحفاظ على مخزون الذاكرة الى يوم بعيد سيأتي، فكانت تجليات السرد الروائي في العملين المذكورين قائمة على ماتصبو إليه ذات المؤلف مفي بناء مساره السردي ضمن إطار الذاكرة والمكان والذاكرة والشخصيات مثلما هذا المقطع من الف شمس مشرقة الذي يأتي على لسان الراوي والمتعلق بوصف جليل لأبنته مريم لدار السينما التي يملكها في المدينة …. وصف لها السينما. لذلك فإنها تعلم أن واجهة السينما مصنوعة من قرميد أزرق وبرونزي، وهناك شرفات خاصة، وعوارض خشبية مثبتة على السقف، أبواب تفتح من الجهتين تؤدي إلى صالة حيث إعلانات الافلام الهندية مغلفة بزجاج شفاف، وفي أيام الاثنين يحصل الاولاد على مثلجات بالمجان في جناح التنزيلات . قد تخرج القراءة الاولى لهذين العملين على أنهما يقعان ضمن إطار الاعمال السيرذاتية.مع أننا نتفق مع ماجاء به د. خليل هيّاس من رأي ٍ في دراسته القيّمة والمعنونة سيرة جبرا إبراهيم جبرا الذاتية في البئر الأولى وشارع الاميرات لاتختلف السيرة الذاتية بوصفها نصا ً حكائيا ًعن غيرها من الانواع الادبية في تعددية استعمال الضمائر في السرد فهي قد تروي بضمير المتكلم المفرد أو أن الراوي يتوجه بالخطاب إلى ضمير المخاطب المفرد أو أن يتحدث عن البطل بضمير الغائب المفرد. كما في هذا النموذج من عدّاء الطائرة الورقية حسّان كان ممددا ًعلى صدره، موثوقا ً إلى الارض، أمسك كل من كمال ووالي بأحد ذراعيه، ملويتان عند المرفق بحيث أصبحت يدا حسان ملتصقتان بظهره، كان آصف يقف فوقهما، كعب حذائه الثلجي يسحق رقبة حسان، أباك لن يَعْلَمْ، قال آصف، وليس هناك شيء خاطىء في تعليم حمار وقح درسا ً في الاخلاق.تمتم والي، لاأدري.كما تريد، قال آصف، والتفت إلى كمال، ماذا عنك؟ أنا..حسنا ً.إنه فقط هازارا، قال آصف، ولكن كمال بقي ينظر بعيدا ً، حسنا ً، قال آصف، كل ماأريد أن تقوما به أيها الضعيفان أن تبقيا ثابتا ً، هل تستطيعا القيام بذلك؟هز والي وكمال رأسيهما، والراحة تبدو عليهما.ركع آصف خلف حسّان، وضع يديه على ورك حسان، ورفع إليتيه العاريتين، ثم ترك يدا ً على ظهر حسان وفكّ حزامه باليد الأخرى، ثم أنزل سحابه، وخلع لباسه الداخلي، ثم توضَّع خلف حسّان، لم يقاوم حسّان، لم يصدر أي صوت حتى، فقط حرك رأسه قليلاً، فرأيت ُوجهه، رأيت الاستسلام به، كانت نظرة لم أرها من قبل، كانت نظرة النعجة. هاتان الروايتان أخذتا تجنيسهما من التقانات الروائية التي لجأ اليها المؤلف، لتلتقي بالتالي مع ما أشار إليه عبد السلام المسدّي بأنّ السيرة الذاتية إنما هي حصيلة إمتزاج نوعين من الكتابة التدوين التاريخي والحكاية الفنية ونتفق هنا مع هذه الرؤية النقدية الى حد كبير إذ لافرق بين الرواية بشكل عام ورواية السيرة الذاتية من حيث طرق الكتابة. إلاّ أن قراءة نقدية للعملين المذكورين تجعلنا نصل الى أنهما لاينتميان من حيث التصنيف الاكاديمي الى أعمال السيرة الذاتية لعدم توفرالتطابق بين المؤلف والسارد والشخصية المركزية ولكن يبقى الاشكال قائما ومرجحا ً فيهما لدى من يدقق مرة اخرى في المقاييس الفنية التي تشير الى التفريق والتصنيف بين الاجناس. تم تحويلها من قبل إحدى شركات الانتاج السينمائية الاميركية في هوليود الى فلم سينمائي.الحكاية تبدأعندما اسقطت مريم طقم شاي صيني وكان عمرها انذاك خمسة أعوام فسمعت للمرة الاولى كلمة إبنة حرام من والدتها نانا، التي ثارت بوجهها وأمسكتها من الرسغين وسحبتها إليها، ومن خلال أسنان ٍتصرُّ قالت لها إنك ابنة حرام خرقاء صغيرة، هذا جزائي عن كل شيء تحملته، ابنة حرام خرقاء صغيرة بالوراثة. في ذلك الوقت لم تفهم مريم مامعنى هذه الكلمة إبنة حرام ولم تكن كبيرة كفاية لتدرك عدم العدالة في ذلك، ولترى أن مخترع هذه الكلمة هو أبن الحرام الذي يستحق اللوم، وليس أبن الحرام الذي كان ذنبه الوحيد أنه وُلِد. وقد عرفت فيما بعد أن ابن الحرام لن يحصل على الشرعية او الاشياء التي يحصل عليها الآخرون كالحب، الأسرة، البيت، القبول. لكن والدها جليل الذي كان يزورهم كل خميس لم يقل لمريم هذا الاسم، قال عنها زهرته الصغيرة، كان مولعاً بأن يجلسها في حضنه ويقص لها الحكايات، كأحاديثه عن ولاية هيرات الواقعة في غرب افغانستان والتي ولدت فيها مريم عام 1959عندما كانت افغانستان تحت حكم الملك زاهار شاه وكانت هيرات مهد الحضارة الفارسية ووطن الكتّاب والرسامين والمتصوفين لن تستطيعي أن تطئي موقع قدم دون أن تركلي شاعراً على قفاه . وقد سقطت هذه الولاية بيد حركة طالبان المتطرفة في أيلول عام 1995، وتعرضت مبانيها التاريخية الضخمة للتدمير الجزئي والكلي خلال الحروب..أخبرها والدها ايضاعن الملكة كوهارشاد التي رفعت المآذن المشهورة كعربون محبة لهيرات في القرن الخامس عشر. كما وصف لها حقول الحنطة الخضراء لهيرات والبساتين المجللة بالعنب المكتنز حيث المدن مكتظة والاسواق صاخبة.لم تكن نانا سوى إحدى مدبرات منزل السيد جليل الذي يعد من أهم رجالات ولاية هيرات من ذوي النفوذ، فبالأضافة الى دارالعرض السينمائي التي يمتلكها كان يملك أرضا في منطقة كاروك واخرى في فرح وثلاثة متاجر للسجاد ومحلا للالبسة وسيارة بويك سوداء حديثة موديل1956.كانت نانا إحدى مدبرات منزله في منتصف خمسينات القرن الماضي الذي تعيش فيه زوجاته الثلاث واولاده وبناته التسعة حتى أنتفخ بطنها، عندها طالبت الزوجات برميها خارجا ً.فما كان من والدها الذي كان يعمل في قطع الحجارة إلاّ أن يتبرأ منها واحتقرها، ومن ثم ليغادر بالباص إلى ايران ولم ير أو يُسمع عنه شيئا مرة اخرى. حتى أنها كانت تخاطب نفسها احيانا عندما كانت تطعم الدجاج خارج المنزل أحيانا أتمنى لو كان أبي لديه الجرأة ليشحذ سكاكينه، والقيام بأشرف عمل ، ربما كان هذا أفضل لي. حتى جليل لم يمتلك الجرأة ايضا للقيام بعمل نبيل والوقوف في وجه عائلته وتحمل مسؤولية ما قام به. بل تم التعامل مع نانا وكأنها عشبة ضارة ينبغي ان تقتلع لترمى جانبا ً. فكان الاختيار أن تعيش في منطقة خالية وسط الحقول. حيث بنى جليل واثنان من ابنائه بيتا ً صغيرا ً من الآجر المجفف بأشعة الشمس وغطوه بالطين والقش.ولتختارهي فيما بعد نهاية لحياتها بعد أن تجد ابنتها مريم التي كانت قد تحملت كل المصاعب من اجلها تخرج عن وصيتها وتذهب لزيارة والدها في بيته. الرواية تتألف من أربعة اقسام، الاول استحوذت عليه شخصية مريم والثاني ليلى المغرمة بأبن الجيران طارق والقسم الثالث تتقاسمها مريم وليلى والرابع يستحوذ عليه شخصية طارق